قصة الفارس والجنّي | من القصص الخيالية المشوقة قبل النوم نقل (تم)

في وسطِ الصحراءِ الواسعةِ، كانت هناك قبيلةٌ تعيشُ حياةَ التنقُّلِ والتَّرحالِ حسبَ الحاجةِ، وتوفُّرِ الطعامِ والمسكنِ الذي يُناسِبُهم، ولهذه القبيلةِ التي تُسمَّى (الحازمون)، عاش بها خلقٌ كثيرٌ من الناسِ أفراداً ينتمون إليها ويسكنون في الخِيامِ، ويأوون إليها في ساعاتِ الليلِ للخُلودِ إلى النومِ، وأمَّا في ساعاتِ النَّهارِ الباكرِ، فإنهم يستيقظون لتناولِ طعامِ الإفطارِ بشكلٍ جماعيٍّ على مائدةٍ طويلةٍ مع كلِّ أفرادِ القبيلةِ. وعادةً فإنَّ ذلك الأمرَ كان من الثقافةِ والعاداتِ والتقاليدِ التي تربَّى عليها أبناءُ قبيلةِ الحازمون، وقد ورِثوها قبلَ عشراتِ السِّنينِ التي مضَت من آبائِهم وأجدادِهم.

قصص خيالية مشوقة قبل النوم

فإذا حانَ وقتُ الصباحِ، استيقظَ الرجالُ ونِساؤهم في وقتٍ مُبكِّرٍ، وأيقظوا أبناءَهم وبناتِهم لكي يذهبوا معاً، فيقوموا بتجهيزِ كلِّ ما يلزمُ مائدةَ الطعامِ الطويلةِ من الحليبِ الذي يُستخرَجُ من الغنمِ والأبقارِ، ويضعون معها قِطعَ الجُبنةِ اللذيذةِ وزيتَ الزيتونِ، وأباريقَ الشايِ الساخنِ وغيرَها من الخَضرواتِ التي تُغرِي العينَ، وتفتحُ شهيَّةَ النفسِ على الشعورِ بالجوعِ والحاجةِ لتناولِ الطعامِ بكلِّ سعادةٍ وهناءٍ.

وأمَّا شبابُ القبيلةِ، فإنَّ بعضَهم قد ذهبَ إلى الأرضِ الكبيرةِ وسطَ الخيامِ، وقاموا بتجهيزِ المفارشِ والمكانِ للجلوسِ فيه على المائدةِ الكبيرةِ، وبعضُهم قد ذهبَ حتَّى يُساعِدَ النِّساءَ في حَلبِ الأبقارِ والغنمِ، وغيرُهم مَن يذهبُ إلى إسطبلِ القبيلةِ الكبيرِ، فيتخيَّرُ الأصيلَ من الخُيولِ، وأجودَها في التنقلِ وأسرعَها في الطريقِ، ثم يأخذُها بلِجَامِها ويذهبُ بها إلى المدينةِ القريبةِ من هناك، ويُرافِقُه في مشوارِه عددٌ من الشبابِ الأقوياءِ حتى يأتوا إلى الأسواقِ هناك، فيشتروا ما يحتاجون إليه من الشرابِ وأنواعِ الطعامِ، وثمارِ الفاكهة وبعضِ الخَضرواتِ.

ومن هناك يعودوا بسرعةٍ حتَّى لا يتأخَّروا عن الموعدِ المُقرَّرِ للمائدةِ اليوميَّةِ للقبيلةِ. فإذا وصلوا إلى هناك، كانت المائدةُ مفروشةً بالطَّعامِ، ولم يتبقَّ إلا تلك الأغراضُ التي جلبَها الشبانُ من القريةِ، وبعدها يجلسون بسرعةٍ الشبانُ بجوارِ سيِّد القبيلةِ (أبو صالح) عن يمينِه، وعن شمالِه رجالُ القبيلةِ ووُجهاؤها. وأمَّا عن النساءِ، فإنهن يجلسن بجوارِ زوجةِ سيِّد القبيلةِ، وعلى شِمالها تجلسُ الفتياتُ. وبعدها كلُّهم ينتظرُ أن يمُدَّ سيِّدُهم (أبو صالح) يدَه من أجلِ أن يبدؤوا بعدَه بتناولِ الطعامِ.

وفي أثناءِ ذلك، حدثَ وهم على مائدتِهم مُنشغِلون بتناولِ طعامِ الفَطورِ، حتى شاهدوا عربةً يجرُّها حصانٌ، ويعتليها شابٌّ قويُّ البُنيةِ وشعرُه الكثيفُ ولِحيتُه الطويلةُ، فقال بعضُ الرجالِ الذين شاهدوه قادماً نحوَهم: أليس هذا فارس؟ فانتبهَ الرجالُ إليه، وركَّزوا النظرَ إليه فشاهدوه وهو قادمٌ إليهم، ثم قال بعضُهم: بلى، واللهِ إنَّه هو.. قد عادَ من تجارتِه الأولى فجرَ اليومِ في أسواقِ المدينةِ على ما يبدو! ثم نظر سيِّدُ القبيلةِ أبو صالح نحوَ فارس وهو يركبُ على عربتِه، فأشارَ عليهم بالتحيَّةِ بيدِه، ثم عادَ بعد ذلك إلى خيمتِه الصغيرةِ، وخلعَ العربةَ عن ظهرِ الحصانِ ثم دخلَ إلى خيمتِه.

فتوقَّف أبو صالح عن تناولِ الطعامِ، وأرسلَ إلى أحدِ الشبابِ أن يذهبَ إلى فارس لكي يتعجَّلَه، ويأتيَ إليه لِيتناولَ طعامَ الفطورِ، فراحَ أحدُهم وأسرعَ في مشيِه حتى وصل إلى خيمتِه، فوجدَ فارس مُستلقِياً على فراشِه ونائماً، فأيقظَه وقال: يا فارس، ما بالُكَ نائمٌ؟ إنَّ سيدَ القبيلةِ أبا صالح يدعوك من أجلِ أن تأكلَ فطورَك مع الناسِ.

فنهضَ فارس وألقى بنظرِه نحوَ الشابِّ، ثم قال له: بلِّغ شُكري له، ولكنِّي متعبٌ ولستُ بجائعٍ. فقال الشابُّ: ولكن يا فارس.. فردَّ عليه: أرجوك ارجع إليهم، وأخبرهم بما قلتُه لك.

فعادَ الشابُّ لوحدِ، حتى وصلَ إليهم، وسيِّدُ القبيلةِ أبو صالح ينتظرُ الجوابَ منه، فإذا بالشابِّ يخبرُهم أنَّ فارس مُتعبٌ، ولا يرغبُ في الفطورِ الآنَ! حينها على الفورِ ردَّ أحدُهم واسمُه (أبو سمير)، وقد كان رجلاً حقوداً على أبي صالح، ويحسِدُه على المكانةِ التي هو فيها، فقال للناسِ على المائدةِ: ألا تسمعون يا معشرَ قبيلةِ الحازمون.. إنَّ ذلك الذي يُسمَّى فارس يعتقدُ نفسَه في مكانةٍ عليا علينا، ويرى لنفسِه فضلاً علينا وعلى سيِّدِ القبيلةِ!

فقال له أبو صالح زاجراً: أبا سمير.. مَن قال لك ذلك؟ كيف تظنُّ بالشابِّ هكذا؟! إنَّه لم يقُل شيئاً خاطئاً إلا أنَّه متعبٌ، ولا يرغبُ في الفطورِ الآنَ!

وبعدها بقليلٍ، استمرَّ أبو سمير في النَّيلِ من فارس وتحقيرِه، حتى قال كلمةً: أيُّها الشبابُ، لِيقم أحدُكم ويأخذُ ما بَقِيَ من الطعامِ وراءَنا، ويحسبُ نصيباً لفارس والدابَّةِ التي تجرُّ عربتَه!

عندها التفتَ أبو صالح، واستغربَ من هذا القولِ القبيحِ الذي يخرجُ على لسانِ أبي سمير، وعلى الفورِ نهضَ من مجلسِه ثم صرخَ عليه: قُم يا دنيءَ المنزلةِ على الفورِ.. هيَّا!

فقامَ أبو سمير، وقد صُدِمَ من كلامِ سيدِ القبيلةِ أبي صالح معه وتحقيرِه له، وبعدها نظرَ بحقدٍ وغِلٍّ نحوَه.. فقامَ من على المائدةِ وأرادَ أن يذهبَ، فقال له أبو صالح من ورائِه: توقَّف.. تعالَ بنفسِك وأحضر من الطعامِ أحسنَه وأطيبَه، ثم ضعه على المائدةِ.. واذهب إلى خيمةِ فارس، واطلب منه أن يعفوَ عنك، ثم بلِّغه بدعوتِي الخاصَّةِ له لِيتناولَ الفطورَ معي..

حينها تمنَّى أبو سمير لو أنَّه لم يقُل هذا الكلامَ؛ لأنه قد أدهشَه ما سمِعه من كلامِ أبي صالح، وأدرك أنَّ قيمتَه قد صارت في أسفلِ سافلين، ولا مخرجَ له من هذه الإهانةِ سِوى أن يُنفِّذَ ما أمرَه به، فهو سيِّدُ القبيلةِ، ولا أحدَ يستطيعُ أن يقفَ في وجهِه.. بل إنه يستطيعُ أن يجعلَ أبا سمير عِبرةً لمن أرادَ أن يُفكِّرَ ولو مجردَ تفكيرٍ عابرٍ في أن ينالَ من فارس بسُوءٍ أو كلامٍ قبيحٍ أو إهانةٍ.. ولذلك ابتلعَ أبو سمير الإهانةَ رغمَ أنه رجلٌ كبيرٌ، وفارس شابٌّ في عُمرِ ابنِه أو ربما أصغرُ منه، ولذلك تمنَّى لو أنَّ الأرضَ تشقَّقت وابتلعَته!

حينها ذهبَ إلى المائدةِ، وأخرجَ من الأواني والقُدورِ طعاماً من أشهى ما يكونُ، ثم سكبَه في طبقٍ كبيرٍ، وسيِّدُ القبيلةِ يُتابِعَه.. ولمَّا ذهبَ إلى خيمةِ فارس، دخلَ عليه، وصار يستنجدُ في فارس ويستعطفُه، ويطلبُ منه أن يعفوَ عنه، ثم بكى أمامَه على ما فعلَ به سيدُ القبيلةِ أبو صالح. وفي الحقيقةِ، ورغمَ أنَّ فارس قد عانى كثيرًا من سُخريةِ أهلِ القبيلةِ منه، واستهزائِهم به وتحقيرِهم له، إلا أنه لم يُعجِبه سلوكُ أبي صالح مع أبي سمير؛ فالأخيرُ كما يقولُ فارس من جيلِ والدِه رحمه الله، ولا يُمكن أن يقبلَ أحدٌ إهانتَه!

فقامَ فارس وعانقَ أبا سمير، واعتذر له على ما فعلَه سيدُ القبيلةِ، ثم سارا معاً إلى أن وصلا إلى المائدةِ، فقامَ أبو صالح بنفسِه، وتبِعه أفرادُ القبيلةِ كلُّهم رجالاً ونساءً يُرحِّبون به، ويطلبون منه أن يُشرِّفَهم بتناولِ الفطورِ معهم. فأخذَ فارس مكاناً وجلسَ به، ودعا أبا سمير لِيجلسَ بجوارِه ويأكلَ منه، وقد أُعجِبَ أهلُ القبيلةِ بهذا السلوكِ معه، ثم شكروه على ذلك.

ولمَّا فرغَ أهلُ القبيلةِ من الطعامِ وتنظيفِ المائدةِ، نهضَ سيدُ القبيلةِ أبو صالح وأمسكَ بيدِ فارس، وخاطبَ الناسَ قائلاً: إذا كان يومُ الخميسِ بعدَ ثلاثةِ أيامٍ.. فإنكم ستعرفون قيمةَ هذا الشابِّ -فارس- الذي يعيشُ معكم حقَّ المعرفةِ!

وقد استغربَ أهلُ القبيلةِ من هذه الكلماتِ غيرِ العاديَّةِ التي يقولُها سيِّدُهم، وقامَ أبو سمير ينحني لهما، ويطلبُ تارةً أخرى عفوَهما عنه. فرجَا فارس من أبي صالح أن يعفوَ عنه، فقال له: إذن عفوتُ عنك يا أبا سمير لأجلِ هذا الرجلِ، الذي لم تعرفوا قيمتَه بعد!

ثم مضى سيدُ القبيلةِ ويُرافِقُه فارس وهما يتجوَّلانِ في الصحراءِ الواسعةِ، ويتأمَّلون في مظاهرِها الطبيعيَّةِ حتى اشتدَّ حرُّ الشمسِ، وقد حانَ وقتُ الظهيرةِ.. فوقعَت أعينُهما على شجرةٍ كبيرةٍ، فانطلقا إليها، وجلسوا تحتها يستظلُّون بظلِّها، وما زال فارس صامتاً، وقد أثارَ بذلك انتباهَ أبي صالح الذي قال له: أنتَ غريبٌ يا فارس.. لم تسألني حتى اللحظةِ عن معنى كلامي الذي قد قُلته للناسِ صباحاً!

فتأمَّل فارس في ملامحِ وجهِه، ثم قال: إنني يا سيِّدي -بطبيعةِ الحالِ- أزهدُ في السؤالِ عن الشيءِ قبلَ أوانِه.. ولكنَّ ذلك طبيعيٌّ؛ من أنك تُريد أن تُخبِرَ أهلَ القبيلةِ بأنني أخدمُك في أشياءَ كثيرةٍ، لا يستطيعُ أحدٌ منهم أن يقومَ بها بدلاً منِّي! فقال سيدُ القبيلةِ: كلَّا يا فارس، ليس هذا مقصدي.. ولكن ستعرفُ ذلك جيداً عندما يأتي يومُ الخميسِ!

وبعدها أشاحَ النظرَ عنه، وقال في نفسِه: مِسكينٌ أنتَ يا فارس.. لم تعلم شيئاً عمَّا حصلَ لك؛ فأنتَ ذو قيمةٍ عاليةٍ لا يعرفُ أحدٌ هنا قدرَها غيري.. ولكنَّني سأعملُ جاهداً كي أُعِيدَ لك الحقَّ خالصاً!

ثم قاما من مكانِهما، وذهبا بعد ذلك عائدين إلى القبيلةِ.. وقد مضى اليومُ الأولُ والثاني حتى كانت ليلةُ الخميسِ، وسيدُ القبيلةِ أبو صالح في خيمتِه يُمسِكُ بورقةٍ، وقد كتبَ بها رسالةً لكي يُسلِّمَها يومَ غدٍ إلى فارس. ولكنَّه في أثناءِ الليلِ، رأى شيئاً مرَّ من بعيدٍ بسرعةِ البرقِ، ولفتَ انتباهَه للحظاتٍ قليلةٍ، وبعدها شعرَ أنَّ ما رآه هي تخيُّلاتٌ يقومُ بها العقلُ بسببِ الإرهاقِ والتعبِ المُتواصلِ.. فقرَّر أن يضعَ الرسالةَ في جيبِه، وينامَ مُتوجِّهاً بجسدِه ناظراً ناحيةَ ذلك المكانِ، وبعدها أغمضَ عينَه، ثم أحسَّ بضوءٍ اشتعلَ فجأةً.

ففتحَ عينيه، وتوجّه إلى الخارجِ وأهلُ القبيلةِ غارقين في النومِ، ولا يدري أحدٌ ما الذي يحصلُ. وكان سيدُ القبيلةِ أبو صالح يضعُ على خاصرتِه سيفاً كما العادةِ؛ رمزاً لمكانتِه العظيمةِ ومنزلتِه الرفيعةِ، وهو يعلمُ أنه رجلٌ مُهدَّدٌ من الخصومِ الكثيرين، الذين لم يتردَّدوا لحظةً في التربُّصِ به، كونُه يحملُ سراً خطيراً في صدرِه ويكتمُ عليه. ولذلك أكملَ أبو صالح طريقَه وهو يرى في مكانٍ بعيدٍ ناراً تشتعلُ، وهناك عندها أصواتٌ تستغيثُ وتطلبُ أن يتمَّ إنقاذُها، فتفاجأ من ذلك، وصار يتساءلُ عن ذلك الأمرِ الغريبِ ويفكرُ بهِ.

ولكنَّ الأصواتَ التي تستغيثُ عند النارِ المُشتعلةِ ما زالت باقيةً ويعلو صراخُها.. حينها سحبَ أبو صالح سيفَه، وانطلقَ مُسرِعاً بحذرٍ نحوَ ذلك المكانِ، وما إن اقتربَ قليلاً، حتى وصلَ إلى جوارِ شجرتين كبيرتين مُتجاورتين، وعليها أربعةُ رجالٍ أشدَّاءُ، ومع كلِّ واحدٍ منهم سيفٌ بتَّارٌ.. وما إن وصلَ عند الشجرتين، حتى نزلَ عليه الرجالُ الأربعةُ وضربوه على رأسِه، وأخذوه من المكانِ بعد أن قاموا على عَجَلٍ بإطفاءِ النِّيرانِ، ثم ولُّوا هاربين بسرعةٍ.

ولمَّا حانَ وقتُ الفجرِ، وبدأ الظلامُ في الزوالِ، والشمسُ ترتفعُ لِتُلقيَ بأشعَّتِها على القبيلةِ في الصحراءِ، فإذا بأهلِ القبيلةِ يستيقظون من نومِهم، ويذهبون كعادتِهم في كلِّ يومٍ للقيامِ بتجهيزِ مائدةِ الإفطارِ الكبيرةِ، وذهبَ الوجهاءُ والكبارُ ومن بينهم أبو سمير إلى خيمةِ سيِّد القبيلةِ أبي صالح، فلمَّا دخلوها صاروا يصرخون ويُنادون: يا أبا صالح.. أين أنت.. ألا تُجيبنا؟ يا سيدَ القبيلةِ وكبيرَنا!!

ولكن لا مُجيبَ منهم، ثم نظروا إلى السِّتارةِ اليُمنى، فوجدوا السيفَ الخاصَّ به مفقوداً، فبدأ القلقُ والخوفُ ينتابُهم بازديادٍ، حتى قال أحدُهم: يا تُرى.. أين ذهبَ أبو صالح، ومنذ متى؟! لقد استيقظتُ أنا قبلَ الفجرِ ولا زالَ الظلامُ مُخيِّماً علينا.. ولماذا خرجَ.. وهل حدثَ معه أمرٌ ما؟!

حينها كان الشابُّ فارس مُستيقظاً من خيمتِه، وجاء مُسرِعاً إلى خيمةِ سيدِ القبيلةِ وشاهدَ الناسَ مُتجمِّعين، فبدأ يسألُهم عمَّا جرى وحدثَ لأبي صالح، لكنَّهم أخبروه بأنه لا عِلمَ لهم بذلك، وسيحاولون البحثَ عنه فربما يكونُ قد خرجَ إلى مشوارٍ بعيدٍ، وهذا أمرٌ غيرُ محتملٍ لأنه لم يحصل من قبلُ.. أو أن يكونَ قد حدثَ له أمرٌ مكروهٌ لا قدَّر اللهُ!

وحينها صار رجالُ القبيلةِ يُنكِّسون رؤوسَهم، ويُعبِّرون عن حُزنِهم على فُقدانِ أبي صالح، وكان من بينِهم أبو سمير الذي صار يبكي، ويذرفُ الدموعَ ويقولُ: أرجو من اللهِ هذه الأمنيةَ الوحيدةَ.. ألا يكونَ قد حدثَ أمرٌ مكروهٌ وأصابَ سيدَنا وكبيرَنا أبا صالح؛ فإنني قد أخطأتُ في حقِّه وحقِّك يا فارس، ويجبُ عليَّ أن أطلبَ منه أن يصفحَ عمَّا قمتُ بهِ من الإساءةِ إليه وإليك.. وأن أرجوَ رِضوانَه عليَّ!

وبالفعلِ، كان فارس يشعرُ بأنَّ هناك بالفعلِ أمراً مكروهاً قد أصابَ سيدَ القبيلةِ، ولم تكن تلك المشاعرُ والأحاسيسُ في قلبِ فارس تأتي له عبثاً، بل إنه كان يشعرُ بمثلِ هذا الشعورِ في السنواتِ الماضيةِ من عُمرِه لمَّا حدثَت معه عِدَّةُ مصائبَ، ولم يتنبَّأ بها إلا بما يشعرُ به قلبُه! ولكن لأنَّ الأمرَ صعبٌ، والمصيبةُ تحتاجُ إلى قلوبٍ قويةٍ لا يعرفُ الانكسارُ والضعفُ إليها سبيلاً.. حينها استجمعَ فارس قلبَه، وملأه شجاعةً وبأساً وصبراً على المصيبةِ، وخرجَ من الخيمةِ حتى صارَ في وسطِ القبيلةِ، وحينَها بدأ يصرخُ بصوتٍ عالٍ وقويٍّ: أيها الناسُ.. يا معشرَ القبيلةِ.. تعالوا إليَّ! فلمَّا سمِعوه، أقبلَ عليه الكبيرُ قبلَ الصغيرِ، والنساءُ قبلَ الرجالِ لكي يستمعوا لِما سيقولُه لهم.. والذي لا بُدَّ وأنه سيكونُ كلاماً في غايةِ الأهميَّةِ والخُطورةِ!

فلمَّا تجمهروا حولَه، وقفَ بينهم قائلاً: يا معشرَ قبيلةِ الحازمون.. أمَا واللهِ فإنَّ لكلِّ جماعةٍ سيِّداً وزعيماً، ولا يمكنُ أن يسيرَ الناسُ إلا بمشورتِه ورأيِه السديدِ الذي يُعطِيه لهم، وإننا في هذه القبيلةِ قد حدثَ معنا أمرٌ في غايةِ الخطورةِ، ولن أحتاجَ للتساؤلِ عن سببِ ذلك وتفاصيلِ ما جرى.. ولكن أقولُ بأنَّ سيدَ القبيلةِ أبا صالح قد تعرَّض لأمرٍ مكروهٍ، ولمصيبةٍ من أناسٍ يُضمِرون له العداوةَ والبغضاءَ.. وعلينا -نحن في قبيلة الحازمون- أن نكونَ خيرَ تبعٍ لهذا الرجلِ العظيمِ.. فلن يهدأَ لنا بالٌ، ولن يطمئنَّ لنا قرارٌ، ولا يطيبُ لنا عيشٌ حتى نعثرَ على سيِّدِنا أبي صالح، ونُعِيدَه سالماً غانماً إلى أهلِه ومُحبِّيه.. وخُذوا هذا عهداً عليَّ ووعداً منِّي.. إنَّ الذي قد تسبَّب باختفاءِ أبي صالح سيكونُ حسابُه صعباً وعسيراً، وعقابُه شديداً عندي.. ووعدُ الحُرِّ دينٌ!!

ولمَّا فرغَ فارس من هذا الكلامِ الذي رفعَ الهِمَّةَ إلى أعلى القمَّةِ في قلوبِ أهلِ القبيلةِ، وصاروا يهتفون له رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، وحينها دقَّ ناقوسُ الخطرِ في قلبِ أبي سمير، وأدركَ أنَّ المكانةَ التي يسعى إليها منذُ سنواتٍ قد يفقدُها في لحظاتٍ، ويصبحُ ذلك الشابُّ فارس هو سيِّداً في القبيلةِ بدلاً منه، رغمَ أنه الشخصُ الذي سيتسلَّمُها لا محالةَ لو ظلَّ أبو صالحٍ مفقوداً، ومختفياً عن الأنظارِ..

وبعدها قال فارس بصوتٍ عالٍ: هيَّا يا رجالَ القبيلةِ، أيها الأبطالُ، يا مَن لا يرضى بالهوانِ على نفسِه وعلى سيِّدِه.. لِيذهبْ كلُّ واحدٍ منكم إلا الإسطبلِ الكبيرِ، وليأخذ حصاناً له ويستعدَّ للخروجِ معي الآنَ، لِنذهبَ ونبحثَ في أرجاءِ الصحراءِ الواسعةِ عن أبي صالح.

فانطلقوا مُسرِعين، وكلُّ واحدٍ منهم قد ركِبَ على ظهرِ حصانِه، وذهبوا إلى مَهمَّتِهم، وبقي أبو سمير يجلسُ ويفكرُ في ذلك الأمرِ.. فأخذَ بسرعةٍ حصاناً لأحدِ فتيانِ القبيلةِ، وقال له: أعطِني هذه الحصانَ، فأنا أحقُّ بالذَّهابِ مع الرجالِ الذين خرجوا للبحثِ عن سيدِ القبيلةِ!

فركبَ الحصانَ وانطلق مُسرِعاً، وقد وضعَ العِمامةَ على وجهِه حتى لا يعرفَه أحدٌ، ثم اتَّجهَ شمالاً صوبَ المدينةِ على غيرِ العادةِ؛ لأنَّ رجالَ القبيلةِ لم يبحثوا هناك عن أبي صالح، بل اتجهوا إلى الصحراءِ الواسعةِ جنوباً!

وأكمل طريقَه، وحصانُه يطرقُ الأرضَ بحافرِه كأنَّه يخرجُ شراراً، حتى وصلَ إلى وسطِ المدينةِ وسطَ قلعةِ الملكِ (فوزي)، وهناك نزلَ عن الحصانِ وسلَّمه لأحدِ الجنودِ، ثم دخل مُسرعاً إلى القلعةِ، وهناك وجدَ في الحديقةِ الملكَ فوزي يجلسُ، وبجوارِه الخدمُ الذين يسعونَ على راحتِه وخدمتِه، فوقفَ أبو سمير أمامَه، وخلع العِمامةَ عن وجهِه، ثم انحنى له وقال: التحيَّةُ لكَ يا جلالةَ الملكِ.

فلمَّا سمِعه ردَّ عليه قائلاً: ولك كلُّ التحيَّةِ يا أبا سمير.. اجلس أمامي.

فأراد أبو سمير أن يتأخَّرَ خطوةً لِيجلسَ على الأريكةِ الفارغةِ، والتي لم يكن في الحديقةِ غيرُها.

فزجرَه الملكُ فوزي قائلاً له: لعلَّكَ يا أبا سمير قد عرفتَ لنفسِك قيمةً وفضلاً لدينا.. بعد ما قُمتَ به من خدمةٍ لنا!

فبدأ أبو سمير يُبدِي خُضوعاً للملكِ، ويقولُ له: لا يا صاحبَ الجلالةِ، لم يكن ذلك مقصدي.. ولكن ماذا تُريد؟ لقد قُلتَ لي اجلس!

فأشارَ الملكُ له عند قدمَيه، فأسرعَ أبو سمير جاثياً على ركبتيه عند قدمَي الملكِ، ثم قال له: وأنا طَوعُ أمرِك.

فقال له الملكُ: اسمع، صحيحٌ أنَّ جنودي قد تمكَّنوا من القبضِ على سيِّدِ قبيلتِكم أبي صالح، لكنَّني ذهبتُ إليه في زنزانتِه لكي أستخرجَ منه السرَّ الذي يحويه، فأصرَّ على الرفضِ بشدةٍ والإنكارِ.. وأردتُ أن أقومَ بتفتيشِ ثيابِه لعلي أعثرُ على شيءٍ ما يدلُّنا على السرِّ، ولكن دونَ أيِّ فائدةٍ!

فتكلَّم أبو سمير: ولكنَّ الفائدةَ عندي يا صاحبَ الجلالةِ!

فأخرج ورقةً من جيبِه وأعطاها للملكِ، فقرأ ما فيها، فشعرَ بالمفاجأةِ من ذلك، وقال: ماذا.. كيف يكون ذلك!! تعرِفُ يا أبا سمير.. لئن تمكَّنا من القبضِ على ذلك الشابِّ الذي اسمُه فارس، فإنِّي سأصلُ حتماً إلى المفتاحِ السريِّ الذي أبحثُ عنه!

فقال أبو سمير: إذن يا مولاي.. طالما عرفتَ بأنَّ فارس يكونُ ابناً لخصمِك ملكِ المدينةِ الجنوبيَّةِ (وليد)، فقد هانَ عليك الأمرُ!

فسألَ الملكُ فوزي: ولكن أين هو فارس؟ فأخبرَه أبو سمير عن كلِّ التفاصيلِ عن فارس، وعندها قرَّر الملكُ أن يقبِضَ عليه ويصلَ إلى المفتاحِ!

فقال أبو سمير: ولكن ما دخلُ فارس بالمفتاحِ السريِّ يا سيدي؟

فغضبَ الملكُ منه، وقال له: اذهب إلى قائدِ الجيشِ عندَ مدخلِ القصرِ، وأخبره بقراري بالقبضِ على فارس بأسرعِ وقتٍ مُمكنٍ.

وحينَها عادَ الملكُ فوزي إلى السِّجنِ، وذهبَ إلى زنزانةٍ توجدُ بها فتاةٌ حزينةٌ اسمُها (سارة)، ويبدو عليها أنَّها من أصلٍ رفيعٍ ونسبٍ شريفٍ، وجمالُها في قمةٍ عاليةٍ.

فأمرَ الجنودَ بفتحِ البوَّابةِ، فدخلَ بسرعةٍ واقتادَها بعنفٍ وغِلظةٍ، وذهبَ بها إلى الزنزانةِ التي يتواجدُ بها سيِّدُ القبيلةِ أبو صالح. فلمَّا فتحَ البابَ ألقاها عنده، فرآها أبو صالحٍ وقال بدهشةٍ: سارة.. ابنةُ صديقي الملكِ وليد..؟! ما الذي جاءَ بكِ إلى هُنا!!

فقال له الملكُ فوزي: أيها الأحمقُ.. هل تتظاهرُ بالغباءِ؟! إنَّ الذي أوصلَها إلى هنا في هذه الزنزانةِ هو أنتَ وأبوها الملكُ من قبلُ.. والذي يرفضُ التخلِّيَ عن المفتاحِ السريِّ.. وقريباً سيكونُ ابنُه فارس لديَّ يا أبا صالح!

حينها استغربَت سارةُ وهي تقولُ: فارس.. وهل هو أخي الذي فقدناه منذ أن كان طِفلاً؟!

فظلَّ أبو صالح صامتاً حتى خرجَ الملكُ من الزنزانةِ، وبعدها جلسَ عندَ سارةَ يُواسِيها، ويُخبرها بأنَّ فارس هو أخوها، وقد اختُطف قديماً لمَّا كان طفلاً صغيراً، حتى رآه في الصحراءِ وقد دفعَ ثمناً باهظاً من أجلِ أن يُنقِذَه من الموتِ الحتميِّ.

وبعد ذلك، حانَ وقتُ المساءِ، وما زال رجالُ القبيلةِ وشبابُها يبحثون في الصحراءِ عن سيدِ القبيلةِ أبي صالح، وكلُّ واحدٍ منهم يذهبُ في ناحيةٍ ما. وفي تلك الأوقاتِ، كان فارس على حصانِه يبحثُ عندَ جبلٍ كبيرٍ، وكان هناك أبو سمير برفقةِ عددٍ من جنودِ الملكِ فوزي يتربَّصون بهِ، حتى انقضُّوا عليه وخطفوه، وعادوا به إلى القلعةِ شمالاً.

ولمَّا وصلوا إليه، أدخلوه إلى الملكِ فوزي، فرآه ووبَّخه، ثم اقتادَه إلى الزنزانةِ وأدخلَه إليها، فرأى هناك سيدَ القبيلةِ أبا صالحٍ، وبرفقتِه فتاةٌ شابَّةٌ لا يعرفُ أنَّها تكونُ أختَه.

فأسرعَ وعانقَ أبا صالح، وهو يقولُ له: يا شيخَنا.. لم يهدأ لنا بالٌ ونحنُ نبحثُ عنك! فما الذي حصلَ لك؟!

فبقيَ أبو صالح صامتاً، ثم تكلَّمَ الملكُ فوزي: لماذا لا تُسلِّمُ على أختِك يا فارس؟! وكان لهذه الكلماتِ صدمةٌ في أُذنِ فارس وسارةَ، التي صاحَت: هل أنتَ فارس؟!

ونظروا إلى سيدِ القبيلةِ وهو يهزُّ برأسِه، ويؤكِّدُ لهما الحقيقةَ، ثم قال الملكُ فوزي: إذا أردتَ يا فارس أن يخرجَ أبو صالح وأختُك سارةُ من السجنِ.. فما عليكَ إلا أن تذهبَ إلى قلعةِ أبيك الملكِ وليد في الشمالِ، وهناك ستجدُ بئراً في الأرضِ التي تقعُ خلفَه، وبداخلِ البئرِ هناك المِفتاحُ السريُّ! وإنَّ هذا المكانَ لا يمكنُ أن يصلَ إليه أحدٌ من الناسِ غيرَك أنتَ.. فبذكائِك وحرصِكَ يُمكن أن تصلَ؛ وإلا فمصيرُ أختِك وسيدِ القبيلةِ هو الموتُ خلالَ ثلاثةِ أيامٍ!

ثم قال الملكُ فوزي مُحذِّراً فارس: إيَّاك أن يراك أحدٌ، حتى لو كان والدُك الملكُ وليد.. وإلا ستفقدُ هذين الاثنين، ولدينا مرآةٌ سِحريَّةٌ نرى من خلالِها قلعةَ أبيك.. فإيَّاك أن تغدرَ بنا؛ فعنقُك بيدِنا!!

حينها، عانقَ فارس أختَه سارةَ وسيدَ القبيلةِ أبا صالح، ثم نظرَ إلى أبي سميرٍ نظرةَ غضبٍ وانتقامٍ، وقال في نفسِه: سيكونُ عقابُك شديداً أيها الخائنُ!

فأسرعَ فارس وغادرَ القصرَ، فأوصى الملكُ فوزي له بحصانٍ قويٍّ وسريعٍ؛ لكي يركبَ عليه ولا يتأخَّرَ في مشوارِه.

فركبَ فارس على الحصانِ، وانطلقَ بعيداً عن قبيلةِ الحازمون، حتَّى اقتربَ من المدينةِ الشماليَّةِ، وهناك شاهدَ القلعةَ، فقرَّر أن يتخفَّى وألَّا يعرفَه أحدٌ، فدخلَ المدينةَ لمَّا صار الظلامُ مخيِّماً عليها، وجاء من خلفِ القلعةِ إلى الأرضِ التي يُوجد بها البئرُ، فنزلَ فيه لِيبحثَ عن المفتاحِ السريِّ، ولكنَّه لم يعثر عليه.

وفي ذلك الوقتِ، كان الملكُ فوزي في قلعتِه يشاهدُ عبرَ المرآةِ السحريةِ ما يفعلُه فارس في القلعةِ الشماليَّةِ وحولَها، وظلَّ يُتابعه.. ولمَّا يئسَ فارس من وجودِ المفتاحِ، عادَ إلى الصحراءِ ولا زال الوقتُ ليلاً.

وهناك اختفى فارس عن المِرآةِ السحريةِ لأنَّه تركَ القلعةَ، وبقيَ يمشي حتى وصلَ إلى شجرةٍ كبيرةٍ، ولا زالُ الظلامُ بها، فوجدَ هناك مِصباحاً مُعلَّقاً على سيقانِ الشجرةِ، فتسلَّقَ إليه وتناولَه بيدِه، ووجد كلاماً مكتوباً عليهِ حاولَ أن ينطقَه عدةَ مرَّاتٍ لكن دونَ فائدةٍ، حتى في المرَّةِ الأخيرةِ يبدو أنه لفظَ ما هو مكتوبٌ على المصباحِ، حتى ظهرَ أمامَه جِنيٌّ، وطلبَ منه ما يُريد!

فسأله فارس عن المفتاحِ السريِّ، فأخبره الجنيُّ بأنَّ هناك رجلاً مُقرَّباً من أبيك الملكِ وليد، وهو خائنٌ له، وقد تمكَّنَ من العثورِ على المفتاحِ.. وأخبرَ الجنيُّ بمكانِ ذلك الرجلِ الخائنِ، ثم سألَ فارس حلَّاً منه عن المُشكلةِ التي يُواجهها؛ فهو لا يُريد أن يخسرَ المِفتاحَ السريَّ. فقرَّر الجنيُّ أن يُعطيَه مِفتاحاً زائفاً يُشبه الحقيقيَّ تماماً، وقال له: عليكَ أن تأخذَ المِفتاحَ الحقيقيَّ من الرجلِ الذي هنا في المكانِ..!

وفجأةً اختفى الجنيُّ، وذهبَ فارس وشاهدَ رجلاً يمشي مُسرعاً بالقربِ منه، فراحَ يتربَّصُ به، ثم هاجمَه وأخذَ المِفتاحَ منه، ولكنَّ هذا الرجلَ الخائنَ قد ماتَ، فقامَ فارس بدفنِ المفتاحِ السريِّ الحقيقيِّ في مكانٍ مُميَّزٍ عندَ شجرةٍ كبيرةٍ.

وأخذ المفتاحَ الزائفَ، وانطلقَ به مع الحصانِ إلى قلعةِ الجنوبِ.. حتى وصلَها في اليومِ الثالثِ من المُهلةِ، وأعطى الملكَ فوزي المِفتاحَ الزائفَ، وحينها قرَّر أن يُسلِّمَه سيدَ القبيلةِ أبا صالح وأختَه سارةَ؛ فهو لم يعُد بحاجةٍ لحَبسِهما منذ الآنَ.

حينها، أخذَ فارس أختَه سارةَ وسيدَ القبيلةِ أبا صالحٍ وعادوا مُسرعين، وأخذوا خيولاً من المدينةِ وهربوا بها مسرعين إلى القلعةِ الشماليةِ.

وبعد ساعةٍ، تنبَّه الملكُ فوزي بأنَّ المِفتاحَ غيرُ حقيقيٍّ ومُزيَّفٌ، وشعرَ بالخيبةِ والغضبِ وأمرَ جنودَه باللَّحاقِ بهم، ولكنَّهم لم يتمكَّنوا من العثورِ عليهم؛ حيثُ أنهم قد وصلوا إلى المدينةِ الشماليَّةِ، وقبل دخولِها جاء فارس وحفرَ تحتَ الشجرةِ الكبيرةِ، وأخذ المفتاحَ السريَّ الحقيقيَّ، ودخل معهما إلى القلعةِ، ورآهم أبوهما الملكُ وليد وزوجتُه، فعرِفاهما بسُرعةٍ بعاطفةِ الأُبوَّةِ والأُمومةِ، وقد أخبروهما بما حصلَ معهما، وشكرَ الملكُ وليد سيدَ القبيلةِ أبا صالحٍ على معروفِه، وإنقاذِه لابنِه فارس من العصابةِ.

وعاشوا بعد ذلك في سعادةٍ وهناءٍ وحياةٍ طيِّبةٍ، وقد أمرَ الملكُ وليد بأن يجعلَ سيدَ القبيلةِ مُستشاراً له لحينِ عودتِه إلى قبيلةِ الحازمون، وكذلك أمرَ الجيشَ بالاستعدادِ لصدِّ أيِّ عُدوانٍ من الملكِ فوزي وجيشِه، وأُطلِقَ على فارس لقبُ (فارسِ القلعةِ)، وصار قائداً شجاعاً لجيشِ الملكِ، وقد تمكَّن من دحرِ جيشِ الملكِ فوزي عندَ حدودِ المدينةِ الشماليةِ بذكائِه وقوتِه.

انتهت الحكاية

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم